سجادة صلاة إلكترونية… تحسب عدد الركعات وتمنع السهو
علماء الأزهر, صلاة, الشيخ يوسف البدري, د. أحمد عمر هاشم, د. نصر فريد واصل, السجادة الحمراء, د. سعاد صالح, علماء الدين, د. صبري عبد الرؤوف
12 يوليو 2010اختراع جيد
وعن حكم الشرع في ما توصل إليه المخترع التونسي قال الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر ورئيس لجنة الشؤون الدينية في البرلمان المصري الدكتور أحمد عمر هاشم: «لا شك أنها محاولة طيبة، حاول فيها مسلم إزالة اللبس من أذهان المصلين بجعلهم أكثر تأكداً من عدد الركعات. وهو هنا سخر العلم لخدمة الدين، ولهذا فله ثوابه عند الله الذي امتدح العلماء المجتهدين سواء في علوم الدين أوعلوم الدنيا النافعة للناس دون أن تصطدم مع أحكام الدين والأخلاق الفاضلة، فقال تعالى «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» (آية9سورة الزمر) . وربط بين ما يتوصل إليه العلماء وبين خشيتهم لله ومعرفتهم بدلائل قدرته، ومنها ما وهبهم من عقول يتوصلون بها إلى اختراعات مفيدة للبشر، فقال تعالى «إنما يخشى الله من عباده العلماء» (آية 28 سورة فاطر). ولكنني فقط أحذر المصلين من الانشغال بالإشارات الضوئية وعدم الخشوع في الصلاة».
مفتي تونس أباحها
أرسل المخترع التونسي اختراعه إلى مفتي تونس الشيخ عثمان بطيخ طالباً منه حكم الشرع في ما توصل إليه وعرض له ما ستؤدي إليه السجادة من فائدة كبيرة للمصلين، فأصدر المفتي التونسي بياناً شرعياً جاء فيه: «لا مانع شرعاً من استعمال السجادة الحاسبة لعدد الركعات للصلاة، وهي لا تشغل المصلي في صلاته، بل إنها تعينه على ضبط عدد السجدات والركعات بالإشارات الضوئية التي تسجلها عند الركوع والسجود». وجدير بالذكر أنه سبقت عمل المخترع التونسي محاولات أخرى في الاتجاه نفسه، ولكن بأشكال مختلفة. فقد اخترع تركي عام 2008 سجادة مصنوعة من الخيوط المضيئة تزداد شدة الإضاءة فيها كلما كان الاتجاه صحيحاً للقبلة. وكذلك توصل الأردني فواز أبو الراغب إلى اختراع في عام 2003 لسجادة صلاة تقوم بإحصاء دقيق لعدد السجدات خلال الصلاة بواسطة لوحة إلكترونية تثبت على السجادة عند مكان ملامسة الرأس.
الفتوى للمجامع الفقهية
وتطالب العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر الدكتورة سعاد صالح بعرض القضية على المجامع الفقهية وعلى رأسها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر؛ لأنها من القضايا المستحدثة التي لم يرد فيها نص قطعي، ولهذا هي قابلة للاجتهاد، وبالتالي فإنه من الأفضل التوصل إلى فتاوى جماعية شاملة بأدلتها الشرعية حتى يلتزم بها الجميع بدلاً من ترك القضية التي يختلف فيها العلماء وتؤدي إلى البلبلة.
وأشارت إلى أنها تقدر جهود المخترع التونسي، لكنها ترى الدين يسراً والسجادة الجديدة قد تتسبب بعدم خشوع المصلين، وقد امتدح الله المصلين الخاشعين في كثير من الآيات القرآنية مثل قوله تعالى في وصف المؤمنين: «قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللغو معرضون».(الآيات 1-3 سورة المؤمنون). وبالتالي فإن القضية من المشتبهات التي يحدث بشأنها الجدل، والمخرج من ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». أي دع ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه. وقد وضع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدة ذهبية نصل من خلالها إلى ما تطمئن به نفوسنا فقال: «إن الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات، قد لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وأن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». ويكفي أن نتأمل التيسير الإلهي في العبادة في قوله تعالى: «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون» (آية 186 سورة البقرة).
وتنهي الدكتورة سعاد كلامها بالتأكيدأن «الإسلام كله يسر وعلينا فقط أن نتجه إلى الله ونخشع في الصلاة بدون سجادة رقمية، وأن نخلص النية في الدعاء والله سيغفر لنا السهو في الصلاة، لأنه غفّار الذنوب جميعاً فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن عبداً أصاب ذنباً فقال رب أذنبت فاغفره. فقال ربه: أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي. ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً فقال: ربي أذنبت آخر فاغفر لي. قال: أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي. ثم أصاب ذنباً فقال رب أذنبت آخر فاغفر لي. قال: أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم ويصلي من الليل فغلبته عينه حتى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه».
أضرارها أكثر
ويرى أستاذ الفقه في جامعة الأزهر الدكتور صبري عبد الرؤوف أن «الاختراع الجديد يجب أن تقاس أضراره بمنافعه وتغليب جانب المنفعة علي المضرة، لأنه ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً. ويجب إعمال القاعدة الشرعية التي يحددها الحديث النبوي «لا ضرر ولا ضرار». ومع تقديري الشديد للجهد الذي بذله المخترع إلا أن أضراره أكثر من نفعه، حيث سيركز كثير من المصلين على الإشارات الضوئية مما يصرف أذهانهم عن التركيز التام في الصلاة، وهذا أمر مكروه لدى الفقهاء، حيث يجب أن تخشع كل جوارح الإنسان أثناء الصلاة. ومن يسر الدين أنه جعل لنا سجود السهو إذا التبس علينا الأمر، وهذا أكبر تطبيق عملي لقوله تعالى: «وما جعل عليكم في الدين من حرج» (آية 78 سورة الحج ). وقوله تعالى: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» (آية 185 سورة البقرة ).
للضرورة فقط
وربط مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد واصل بين حكم الشرع في الاختراع ونية المخترع التي لا يعلمها إلا الله، و«دليلنا في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى». ويرتبط حكم الشرع حولها كذلك بما لها من فوائد أهمها تسهيل حساب عدد الركعات، وبالتالي فإنه لن يكون هناك خطأ في حسابها ولن يكون هناك سجود سهو، وهذا أمر طيب. ولكن يؤخذ عليها في الوقت نفسه أنها ستشغل المصلي بالنظر إلى الدليل الرقمي الضوئي مما يشغله عن التركيز التام في الصلاة ويقلل من خشوعه في أدائها».
وأوضح واصل أنه من المعروف شرعاً أن «الثواب في الصلاة يُقاس بقدر الخشوع فيها، وكما قال رسول الله صلى عليه وسلم: «رب قائم ليس له من قيامه إلا السهر...»، وذلك لأنه لم يعط الصلاة حقها في الخشوع وأداء الحركات من قراءة بتدبر وتركيز في الركوع وسجود. فقد سبق الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك علمياً حينما قال للمصلي الذي لم يتقن الصلاة وأداها بسرعة بدون خشوع: «ارجع فصل فإنك لم تصل». ولهذا أرى أن يكون استخدامها للضرورة فقط وفي أضيق الحدود وليس بشكل عام».
ظهرت أخيراً سجادة صلاة إلكترونية تُمكّن المصلّي من احتساب عدد الركعات وتحميه من السهو الذي يؤدي إلى عدم التيقن أحياناً من عدد الركعات التي قام بها. لكن عندما سألنا علماء الدين عن آرائهم في تلك السجادة انقسموا حولها ما بين مؤيد ومعارض، ولكل فريق أدلته الشرعية.
بدأت القضية بتوصل التونسي حمادي الأبيض إلى اختراع سجادة إلكترونية تعمل بإشارات ضوئية عند الركوع والسجود، مما يمكن المصلي من احتساب عدد الركعات بدقة. أوضح المخترع أن هذه السجادة هي الأولى من نوعها في العالم، وقد فكر فيها بسبب كثرة السهو الذي يجعل المصلي يشكك في عدد الركعات التي أداها ويتساءل بينه وبين نفسه أثناء الصلاة: هل سجد سجدة واحدة أو سجدتين في إحدى الركعات؟ وكذلك يتساءل عن عدد الركعات التي صلاها سواء عند صلاته للفروض الخمس يومياً أو عند أدائه صلاة التهجد أو قيام الليل. وأشار إلى أنه يريد من اختراعه جعل المصلي في حالة من اليقين التام الذي ينفي أي شكوك تصرف ذهنه وتُحدث البلبلة باستمرار، سواء كان المصلي يؤدي الصلاة منفرداً أو في جماعة. وأكد أن الشركة المصنعة للسجادة الجديدة على وشك صنع نوعيات مختلفة من السجادة الحاسبة.
تلهي عن الخشوع
وعارض عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ يوسف البدري الاختراع الجديد مؤكداً أن الغاية منه قد تكون نبيلة، لكن الوسيلة تؤدي إلى الإلهاء عن التركيز في ما يقوله المصلي واطمئنانه إلى أنه لم يخطئ في عدد الركعات. وبالتالي لا قيمة للتركيز الطبيعي في عدد الركعات الذي هو جزء من الخشوع فيها طالما وجدنا الحل. ومن يتأمل الصلاة يجد أنها ذكر يشترط فيه الخشوع والتدبر تنفيذاً للامرالالهي: «فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون» (آية 152 سورة البقرة).
وأضاف: «الله لن يحاسبنا عن الأخطاء غير المتعمدة فقال تعالى: «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الظالمين» (آية 286سورة البقرة). وما علينا إلا كثرة الذكر في الصلاة حتى أننا عندما نسهو نعوض السهو بزيادة عدد الركعات، وأن نبني قرارنا في العدد على الأقل حتى نفسد كيد الشيطان الذي يعمل على إحداث التباس في الصلاة فنقوم بزيادة عدد الركعات على عكس مراده منا فقال تعالى: «يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً» (آية 41 سورة الأحزاب).