طلاق التهديد لا يقع!
طلاق, د. عبلة الكحلاوي, د. أحمد عمر هاشم, د. عفاف النجار, د. حامد أبو طالب, د. سيد صبحي, د. عبد الحي عزب, تهديد, آراء الفقه, د. سامية الساعاتي, حكم قضائي
23 أغسطس 2010كثيراً ما يلجأ الأزواج إلى تهديد زوجاتهم بالطلاق لإجبارهن على فعل شيء أو الامتناع عن شيء آخر، لكن ماذا لو لم تهتم بهذا التهديد الزوجة وفعلت ما تريده هي؟ هل يقع الطلاق وقتها؟ محكمة الأسرة في مدينة بورسعيد كانت تنظر أخيراً في قضية من هذا النوع، وحكمت بأن طلاق التهديد لا يقع، مستندة إلى فتوى بذلك من دار الإفتاء المصرية. لكن هذا لم يمنع انقسام علماء الدين فريقين أحدهما يرفض الحكم مؤكداً أن طلاق التهديد يقع، والآخر يؤيد المحكمة مؤكداً أن طلاق التهديد لا يقع، وكل منهما له أدلته. فماذا يقولون؟ وكيف يُحسَم هذا الجدل؟ «لها» تحقق.
طلاق الغضبان
وعن كيفية وقوع الطلاق قال الدكتور حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر: «الطلاق يقع بالكتابة وباللفظ، ولا يشترط لوقوعه أن يكون موثقاً عند جهة رسمية أو غير رسمية، فمادام الزوج قد صدر منه ما يدل على الطلاق صراحة أو كناية نوى بها الطلاق، فإن الطلاق يقع وتترتب عليه أحكامه الشرعية. والطلاق لا يجوز إلا إذا كان في طهر لم يمس فيه الزوج زوجته، كما أن التهديد بالطلاق وقت الغضب لا يمنع وقوع الطلاق، إلا في حالة واحدة، إذا وصل الغضب بالزوج إلى مرحلة تجعله لا يعي ما يقول فيكون حكمه حكم المجنون الذي لا يقع طلاقه لافتقاده العقل الذي هو مناط التكليف، وعلى الزوج أن يعلم أن الله جعل الطلاق حلاً، ولكنه ينبغي أن يكون آخر الحلول لما يترتب عليه من دمار البيوت وضياع الأبناء».
فقدان الأمان
وتؤكد عميدة كلية الدراسات الإسلامية الدكتورة عفاف النجار، أنه لا ينبغي للمسلم الإكثار من لفظ الطلاق والتهديد به كون ذلك يتنافى مع التعاليم الإسلامية، فقد قال الله سبحانه وتعالى: «وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً» (آية 19 سورة النساء). وكان آخر ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع حُسن معاملة النساء حين قال: «استوصوا بالنساء خيراً»، وكررها ثلاث مرات فهذا التهديد المتكرر يتنافى مع طبيعة الحياة الزوجية التي أساسها المودة والرحمة، كما أنه يؤدي إلى كسر في نفس الزوجة وترويعها من فقدان الأمان في حياتها الزوجية.
وتضيف: «لا شك أن التهديد بالطلاق من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى فتور العلاقة الزوجية، وهذا مخالف لما أمرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم حين حدد مقاييس الأخلاق لدى الأزواج وربطها بحسن معاملتهم لزوجاتهم فقال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي». وقال أيضاً: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا »، وحذر من خطورة هذه الخطوة فقال: "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئاً ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله فيدنيه منه ويقول: نعم أنت». ولهذا فإن الرفق بالزوجات هو الحل الشرعي، وليس التهديد بالطلاق الذي قد يؤدي فعلاً إلى حصول الطلاق حقيقة وفقاً لبعض المذاهب الفقهية، وعندها لا يفيد الندم».
مجتمعاتنا ذكورية
عن التحليل الاجتماعي لتلك القضية التي انتشرت وباتت تهدد البيوت، قالت الدكتورة سامية الساعاتي أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس: «من المؤسف أن كثيراً من مجتمعاتنا الشرقية تتصف بأنها «ذكورية سلطوية»، وتكون النتيجة أن بعض الأزواج يحاولون إثبات رجولتهم وقوتهم أمام المجتمع عبر التهديد بالطلاق بشكل يومي عند كل صغيرة، بل في الأوقات العادية وليس وقت الانفعال أو الغضب الشديد فقط، وما أكثر الانفعالات غير المبررة عند بعض الأزواج كوسيلة ضغط حتى يتكرر التهديد في المشكلات البسيطة التي لا تستدعي نطق تلك الكلمة أو حتى التفكير فيها لما لها من آثار نفسية مؤلمة على الزوجة وأهلها وأولادها».
العلاج
لا ينبغي للزوج الذي يعرف أحكام دينه أن يكثر من التهديد بالطلاق لأنه أبغض الحلال عند الله. هكذا بدأت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات الدكتورة عبلة الكحلاوي، كلامها مؤكدة أنه يجب على الزوج عند حصول النشوز من الزوجة أن يلجأ إلى العلاج الإلهي الذي جاء في القرآن «وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ» (آية 34 سورة النساء). وقال سبحانه أيضاً «وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً» (آية 35 سورة النساء). ولابد من إخلاص النية في الصلح بدلاً من التهديد بالطلاق، لأن علاقة الزوج بزوجته في الإسلام قائمة على المحبة والمودة والرحمة والاحترام المتبادل، وليس التهديد الذي هو نوع من الاحتقار والقهر والخوف والتسلط، وبالتالي فإن التهديد بالطلاق لا يُصلح العلاقات بل يُفسدها، خاصة أن الزوجة خلقها الله عاطفية والأمر يعني لها الكثير.
ونصحت الكحلاوي الزوجات اللواتي ابتلاهن الله بأزواج من هذه النوعية أن يكنّ أكثر إيجابية، وأن تبحث الزوجة داخل نفسها لتكون من أفضل النساء، وتطور نفسها باستمرار لأنه إذا شعر زوجها بذلك تمسك بها أكثر.
ضعيف الشخصية
وعن التحليل النفسي للزوج الذي يُكثر الحلف بالطلاق والتهديد به يرى الدكتور سيد صبحي، أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس، أن هذا «دليل ضعف في الشخصية وعدم التوازن النفسي، ولهذا يحاول إثبات رجولته بكثرة التهديد بالطلاق حتى يخيف الزوجة، ويحقق لها حالة من الرعب النفسي. ومثل هذا الزوج لا يستحق أن نطلق عليه رجلاً لأنه أهان أسمى علاقة إنسانية وهي الزواج، ولم يحافظ على الأمانة التي يجب أن يكون مسؤولاً عنها وهي زوجته التي تستحق منه كل معاني الحب والاحترام والتقدير وليس التهديد بالطلاق».
في البداية يقول الدكتور أحمد عمر هاشم الرئيس السابق لجامعة الأزهر: «ينبغي على كل مسلم أن يحفظ لسانه عن الكلام الذي يؤذي الآخرين أو يجرح مشاعرهم، لأن هذا يتنافى مع مكارم الأخلاق، ويفتح باباً للشيطان، فما بالنا إذا كان هذا الآخر زوجته التي يهددها بالطلاق؟ وقد رأى بعض الفقهاء أنه يقع لأنه من الثلاثة التي يعتبر الجد فيها جداً والهزل فيها جداً، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاث جدهن جد وهزلهن جد، الطلاق والنكاح والعتق».
وأضاف: «التهديد بالطلاق أوقعه بعض الفقهاء على النية، ولكن ينبغي التشديد على الأزواج بأنه يقع حتى يضبط كل زوج لسانه، ولا يترك مدخلاً للشيطان، حيث قال تعالى: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلاِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا» (آية 53 سورة الإسراء). ويتأكد هذا إذا كان التخاطب بين الزوجين، لما بينهما من الرابطة العظيمة، والحقوق الكبيرة المتبادلة، وينبغي أن يدرب الإنسان نفسه على الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه، ولا يجوز الحلف بغير الله تعالى كالحلف بالطلاق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ». وقوله أيضاً «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ».
وعن اتخاذ التهديد بالطلاق شكلاً آخر كأن يقوم الزوج بتهديد زوجته بإرسال ورقة بالطلاق إليها لتوقع عليها قال هاشم: «مثل هذا التهديد للزوجة بالطلاق لا اعتبار له مادام الزوج لم يتلفظ به، فليس هناك طلاق حقيقي تم، والتهديد هنا لا يقيم حكماً شرعياً لأن ما صدر منه هو مجرد تهديد، وليس طلاقاً ما لم ينو صاحبه به الطلاق، ولا يعتبر طلاقاً، وإنما هو تهديد ووعيد بالطلاق».
الأصل النية
ويرى الدكتور عبد الحي عزب، عميد كلية الدراسات الإسلامية في بني سويف، إن الحكم في طلاق التهديد مبني على النية والتي سيحاسب الله الزوج عليها، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى». وبالتالي إن كان قصده التهديد فقط ولم يكن في نيته حال تلفظه بما قال إنه ينوي الطلاق حقيقة فإن هذا عليه أن يكفر كفارة يمين إن وقع الشرط، وإن كان في نيته أنها تطلق فإن الطلاق يقع. ولا يعلم النية ويحاسب عليها إلا الله فإن كذب فإنما كذبه على الله، ولهذا ينبغي أن يكون صادقاً عندما يسأله الشيخ عن نيته وقصده.
وعن وجود كفارة عن التهديد بالطلاق يرى مجموعة من العلماء، أشهرهم ابن تيمية، أن الكفارة ثلاثة أنواع على الاختيار أو التخيير، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة مؤمنة فإن عجز عنها عليه صيام ثلاثة أيام، ولا علاقة بين إخراج الكفارة واستمرار العلاقة الزوجية، لأنها جائزة سواء قبل إخراج الكفارة أوبعدها ولا يجوز للزوجة الامتناع عن المعاشرة، وحكم الكفارة مأخوذ من قوله تعالى: «لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (آية 89 سورة المائدة).