تقييد تعدد الزوجات واقتسام الثروة عند الطلاق!
حقوق المرأة, طلاق, تعدد الزوجات, د. محمد رأفت عثمان, الشيخ يوسف البدري, د. عبلة الكحلاوي, د. سعاد صالح, آراء الفقه, مخالفة الشرع, إرث, د. محمد عبد المنعم البري
06 سبتمبر 2010جدل واسع أثاره مشروع القانون الجديد الذي أعدته شبكة جمعيات حقوق المرأة المصرية والذي يُطالب بتقييد تعدد الزوجات، وإعطاء المطلقة نصف ثروة زوجها، وتعويض الفتاة التي يتم فسخ خطبتها ظلما. ففي حين رأى البعض أنها مطالب عادلة، رأى آخرون أنها مخالفة للشرع. فما تفاصيل هذا القانون الجديد؟ وماذا يقول المؤيدون والرافضون؟
بدأت القضية بإطلاق شبكة الجمعيات العاملة بمجال حقوق المرأة في مصر مشروع قانون للأحوال الشخصية عنوانه «قانون أسرة متكامل أكثر عدالة»، وذلك خلال مؤتمر صحافي في نقابة الصحافيين. ويتناول المشروع مواضيع رئيسية هي: الخطبة والزواج والطاعة والنفقة والحضانة والرؤية والطلاق والتطليق والخلع وتعدد الزوجات والثروة المشتركة.
ويضع النص المقترح مجموعة من المعايير التي من شأنها تقييد تعدد الزوجات دون تجريمه، ويؤكد أن الأصل في الزواج هو الإفراد وليس التعدد، وأن التعدد يجب أن يتم عن طريق المحكمة التي تصدر إذناً للرجل، يسمح له بالزواج من أخرى في حال قدرته على إعالة أكثر من أسرة، وتمنعه إذا لم يكن يمتلك موارد كافية.
وينص مشروع القانون على أن يكون التطليق من خلال المحكمة، الأمر الذي لا يلغي إرادة الزوج ولا يمنعه من الطلاق، ولكن يضمن تأكد القاضي من التزام الزوج بسداد كل مستحقات الزوجة.
كما يقرر مشروع القانون أن من حق الزوجة الحصول على نصف ثروة الزوج عند الطلاق، لأن المرأة التي أفنت عمرها مع زوجها تسانده وتدفعه إلى الأمام ليطوّر نفسه وتزداد ثروته، لها الحق في مشاركته هذه الثروة، خاصة مع التغيرات الاقتصادية الحالية، وعدم قدرة أسرة الزوجة على الإنفاق عليها بعد الطلاق.
وطالب مشروع القانون الجديد بضرورة وجود تعريف قانوني للخطبة، ينظم حالات فسخ الخطبة ورد الهدايا والشبكة، إلى جانب التعويض عن أي أضرار مادية أو معنوية تنتج عن فسخ الخطبة.
العدل مطلوب
وقالت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة عبلة الكحلاوي: «العدل أساس الملك، ولا شك أن أهم علاقة إنسانية تستحق أن تقوم على العدل هي العلاقة الزوجية، سواء في إنشائها أو إنهائها، حيث أباح الإسلام التعدد بضوابطه حفاظاً على الأسرة. ومن حق المرأة طلب الطلاق للضرر والخلع إذا شعرت بظلم زوجها لها، وبالتالي لا يجوز اتخاذ قوانين الأحوال الشخصية في الغرب نموذجاً يُحتذَى، بدليل أنها تمنع تعدد الزوجات بالقانون وتبيح العلاقات غير الشرعية، حتى أن غالبية الأزواج هناك لهم عشيقات. فأيهما أفضل للرجل والمرأة: أن تكون هناك زوجة ثانية لها كل الحقوق مثل الأولى وعليه واجبات تجاهها، أم أن يكون له عشيقة تنجب له أولاداً غير شرعيين؟ ولابد من عرض مشروع القانون على الأزهر لمناقشته، خاصة أن في أحكام الشرع فرصة للاجتهاد في ما لم يرد فيه نص، وفي الوقت نفسه فإن نقل الظلم الى الرجل يرفضه الشرع أكثر».
تحذير
عن اشتراط التعدد وإيقاع الطلاق أمام القاضي أكد الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتور محمد عبد المنعم البري أنه «لا يشترط شرعاً التعدد أو وقوع الطلاق أمام القاضي، لأن التعدد يتم بالاتفاق بين الرجل وأسرة من يرغب في الارتباط بها بعد موافقة صاحبة الشأن. واختلف الفقهاء في صحة الزواج الثاني إذا لم يعلم الزوج الزوجة الأولى مادامت لم تشترط عدم تعدده في عقد زواجها. ورغم أن القاضي مهمته فض أية مشكلات بقوة القانون، فإنني شخصياً لا أحبّذ اللجوء للقضاء في المشكلات الزوجية لأنه يؤدي إلى فضح الأسرار الزوجية في كثير من الأحيان».
وتساءل البري: «بأي حق تحصل المطلقة على نصف ثروة طليقها؟ وأي سند شرعي أباح لها ذلك؟ وبالتالي فإن هذه المطالبة ليست من حقوقها الشرعية، وهي مؤخر الصداق والنفقة طوال مدة العدة. ولهذا أحذّر الزوجات المسلمات من جعل الغربيات قدوتهن، وفي الوقت نفسه فإن الإسلام يرفض ظلم الزوج لزوجته من خلال تأويل نصوص شرعية أو إعطاء تقاليد ظالمة غطاء شرعياً لتبرير ظلمها، سواء في كل خطوات الزواج أو الطلاق وما يترتب عليها من مشكلات».
تقليد للغرب
جاء في مقدمة الرافضين الدكتور محمد رأفت عثمان - العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية - قائلاً: «بنود مشروع القانون تخالف أحكام الشريعة الإسلامية وتقليد أعمى لمطالب المرأة الغربية ونقل أنماط حياتها ورؤيتها للزواج على أنه صفقة دنيوية تقوم على المصالح المادية فقط، وهذا ما يتعارض مع الرؤية الإسلامية التي حددها الله سبحانه وتعالى بقوله: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (سورة الروم آية 21).
وأشار إلى أن تعدد الزوجات مباح شرعاً ولا يجوز منعه بحجة أن الأصل في الزواج واحدة، لأن من يتأمل القضية في القرآن سيجد حكمها واضحاً، حيث يقول تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا» (سورة النساء آية 3)، بالإضافة إلى حدوث التعدد عملياً على يد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين وحتى اليوم، ولو كان التعدد مخالفة شرعية أو ممنوعاً لما حدث منهم.
ضوابط
أيدت عميدة كلية الدراسات الإسلامية الدكتورة سعاد صالح المطالبة باقتسام الثروة بين الزوجين في حالة الطلاق قائلة: لا يوجد نص شرعي يمنع تطبيق الفكرة التي أرى أنها إذا طرحت للتطبيق لابد لها من ضوابط حتى لا تتحول من وسيلة لإنصاف المرأة إلى أداة لظلم الرجل، وهذا أمر مرفوض أيضاً. ولهذا فإنني اشترطت في تطبيقها أن يكون قد مرّ على الزواج 15 سنة فأكثر، الأمر الذي يعني ان المرأة أفنت جزءاً كبيراً من حياتها مع الزوج، وبالتالي فإن الشرع يوجب علينا حمايتها من شراسة الزوج الذي يطلّقها ويعذبها في توفير نفقتها، مما يؤدي إلى ضياعها وتشريد أولادها. والمبدأ الشرعي هو تحري العدالة ومنع الضرر على أي طرف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».
وأشارت صالح إلى ضرورة عرض مشروع القانون المقترح على لجان مختصة في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الذي يضم خيرة علماء الدين، وكذلك لابد من عرضه على رجال القانون وخبراء الاجتماع والنفس والتربية، خاصة أن الإسلام يمنح الفرصة للاجتهاد في كل ما لم يرد فيه نص شرعي مثل فرض قيود على تعدد الزوجات، أو إلزام الزوج بتوفير مسكن خاص للزوجة التي لم تنجب، أو عندما يقوم الزوج بالتطليق دون سبب وبإرادته المنفردة بدون ذنب، ولهذا لابد أن يتدخل القاضي لرفع الظلم عن أي طرف.
الأزهر هو الحل
ويرفض عضو مجمع البحوث الإسلامية الشيخ يوسف البدري التفكير في «إصدار أي قوانين لتقييد تعدد الزوجات، خاصة إذا كانت هناك ضرورة، باعتبار أن ذلك يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية لأن أحكام الشريعة في مجال الأحوال الشخصية جاءت بأحكام عادلة، وسمحت بتعدد الزوجات، وأعطت الزوج حق الطلاق، وبالتالي لا يجوز تقييده بقوانين وضعية لأن قواعد الشريعة مستقرة وتؤدي لاستقرار المجتمع، خاصة في ما يتعلق بأمور الزواج والطلاق. ومن ثم فإن المطالبة بسن تشريعات جديدة بتقييد أو منع تعدد الزوجات، وتدخل القضاء في كل شيء ستزيد المشكلات، والأفضل الالتزام بما جاء في الدستور المصري الذي ينص على أن الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع. وبالتالي لا تجوز مخالفتها في تنظيم أمور الزواج والطلاق التي جاءت فيها نصوص قطعية لا تقبل الاجتهاد، ولا يجوز تقييد ما أحله الله عز وجل، ولابد من الرجوع الى الأزهر قبل إجراء هذه التعديلات.
تقييد التعدد
يؤيد الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور أحمد السايح صدور قانون عادل ومدروس ينص على تقييد تعدد الزوجات بل منعه عن بعض الأزواج الذين لا يقدرون المسؤولية الزوجية ويتركون أسرهم في مهب الريح وأولادهم للضياع، «لأنه لا يوجد ما يسمى تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية أصلاً، إنما التعدد الذي أباحته شريعة الإسلام هو تعدد في أمهات اليتامى فقط وليس التعدد بإطلاق، كما يفعل كثير من الأزواج الذين يتزوجون بالأبكار أو غير أمهات الأيتام. وهذا الكلام ليس من عندي وإنما قرره الله تعالى بقوله: «وإنْ خِفْتُم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع» (سورة النساء آية 3).
ويقدم السايح تفسيراً لغوياً يؤكد به صحة ما ذهب إليه قائلاً: «من يتأمل المقصود من قوله تعالى: «وإنْ خِفْتُم» سيجد أنها جملة شرطية وفعل الشرط فيها «خِفْتُم» وجوابه « فانكحوا»، وأعقب ذلك بقوله تعالى: «من النساء» ولم يقل «من الفتيات». ويؤكد خبراء اللغة أن المرأة إذا تزوجت ثم تم طلاقها أو توفي زوجها فقد أصبحت في صف «النساء» وليس «الفتيات». وقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك عملياً في زيجاته، ولم يتزوج بكراً غير أم المؤمنين السيدة عائشة، أما باقي زوجاته فكن من الأرامل أو أمهات الأيتام، وبذلك يكون تعدد الزوجات ليس مطلوبًا شرعاً بنص القرآن الكريم، وإنما شرعه الله فقط للزواج بأمهات الأيتام لمصلحتهن، وبالتالي لا يجوز بغيرهن اتباعاً للأعراف والتقاليد».