الإعاقة في سوريا
السينما السورية, القانون, معاقين, إعاقة البصر, شهادات حيّة, أولمبياد, الإعاقة العقلية, ريم هلال
20 سبتمبر 2010الدكتورة الأديبة ريم هلال: تجربة طه حسين شكلت قدوة مضيئة في مراحلي الأولى
لم تكن الإعاقة البصرية إلا دافعاً وحافزاً لمتابعة حياتها ودراستها وتحطيم العقبات وتذليل الصعاب وتصميماً على متابعة الدراسة والتفوق. والإبداع في مفهومها وصل ووصال، رؤية لحقيقة ما تؤرقها، تحاصرها حتى ينكسر حاجز العزلة وتلتئم بخروج حروفها إلى النور.
ريم هلال من رموز الإرادة والتحدي، بإيمانها الشديد وإرادتها الصلبة استطاعت أن تتغلب على الإعاقة وتعيش كأي إنسانة صحيحة الجسم.
الدكتورة الأديبة ريم هلال إنسانة شفافة تزرع في النفس حب الحياة والتصميم على قهر الظروف مهما كانت، وتؤكد أن الإنسان خصب بمقدار قدرته على أن يحسم ويسعى، ليس لذاته وحدها، بل لناسه أيضاً، فليس أقسى من خنق الذات إلا انفصالها عن الآخرين.
حدثتنا الدكتورة ريم عن حياتها وإعاقتها ودراستها قائلة: «ولدت مصابة بفقدان البصر، لكن هذا لم يعنِ اجتياز دراستي في مدارس المكفوفين، إنما في مدرسة للمبصرين إيماناً بأن المعوق ينبغي منذ طفولته أن يعتاد الانخراط في مجتمعه المحيط به باختلاف فئاته، وإن أدى بي هذا إلى مروري بالكثير من الصعاب. فمنذ يومي الأول في المدرسة توقدت أول جذوة من التحدي في داخلي، إذ رغم العقبات التي اكتنفتني لزمت الصمت وتجنبت بث أي شكوى لوالديّ خشية أن ينتزعاني منه، من ذلك المكان الذي يوجد فيه كل من هم في مثل سني، ويفتتحا أبواب مدرستي في البيت.
حصلت على إجازتي الجامعية في اللغة العربية وآدابها، ثم تابعت دراستي العليا استجابة لطموحاتي التي لا تعد، فحصلت على درجة الماجستير وكانت أطروحتي بعنوان «المنهج النقدي عند طه حسين»، ثم حصلت على درجة الدكتوراه وكانت رسالتي بعنوان «حركة النقد العربي الحديث حول الشعر الجاهلي». والآن أعمل مدرسة في كلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة تشرين محاطة بمحبة طلابي وتقديرهم الكبير لتجربتي. وإلى جانب هذا دخلت عالم الأدب الذي أجد فيه نفسي الآن بالدرجة الأولى لكوني انفتح من خلاله على تجارب الآخرين التي لا أرى فيها إلا صوراً لتجربتي الشخصية. وقد صدرت لي خمس مجموعات شعرية، ومؤخراً صدر كتابي الحلم «البصر والبصيرة» عن دار الآداب ببيروت. وأقول كتابي الحلم لانطوائه على سيرتي الذاتية التي كنت أتطلع إلى تسجيلها منذ يفاعتي الأولى، لذا يمكنك أن تتصور أي احتضان قد حظي به هذا العمل لدى قدومه إليّ نسخة مطبوعة».
القدوة المضيئة
وعن دور تجربة طه حسين في مسيرة حياتها، قالت: «لا شك أن الدكتور طه حسين شكل لي القدوة المضيئة التي اهتديت من خلالها، لكن هذا كان في مراحلي الأولى التي لم تكتمل فيها تجربتي. أما بعد اكتمال دائرة كبيرة من هذه التجربة فقد وجدت ضرورة لدخولي طور الانعتاق وبلورة شخصيتي المستقلة التي لم يعد من الملائم لها أن تظل خاضعة لتأثير أحد. فإذا ظللت متشبثة بصورة طه حسين أو سواها، هل سأكون حينئذ قدمت سوى نسخة مكررة عنها أو سواها؟ وهل هذا يعني ما هو مهم بالنسبة إلى نهر الحياة المتجدد؟».
وختمت الدكتورة هلال حديثها بتوجيه كلمة الى العالم: «ليس عيباً أن تكون معاقاً ولكن العيب أن تستلم لإعاقتك، فكم من معاق قدم ما لم يقدمه الصحيح. ولعل النماذج المشرقة في عالم الإعاقة كثيرة، ولكن دعوني أحدثكم عن نموذج قدم للمجتمع العديد من الروايات والمؤلفات الأدبية، واستحقت بذلك جائزة نوبل للآداب، وترجمت مؤلفاتها لأكثر من خمسين لغة. إنها الكاتبة الأميركية هيلين كيلر التي عاشت حياتها صماء بكماء عمياء. ولعلنا نقف مع هذه القصة بعض الوقفات التربوية، منها أن للأسرة الدور الفعال في انتشال الطفل من إعاقته وجعله عضواً صالحاً معطياً في المجتمع. قد تكون الإعاقة طريقاً للنجاح إذا وجد العزم والإصرار وعدم الاستسلام».
القانون والمعاقون في سورية
للوقوف على هذا الموضوع من وجهة نظر القانون السوري حدثنا المحامي حسان شاهين: «يحظى الأشخاص ذوو الإعاقة باهتمام كبير في سورية اذ يجري العمل على دمجهم في المجتمع وتمكينهم ليكونوا أشخاصاً فاعلين يستفاد من قدراتهم. وتبذل الدولة جهوداً في سبيل العناية بهم، كما تشارك سورية العالم احتفاءه باليوم العالمي للمعوقين في الثالث من كانون الأول/ديسمبر من كل عام في محاولة لتأكيد أهمية قضية الأشخاص ذوي الإعاقة وتعزيز العمل على دمجهم وتأمين احتياجاتهم الرئيسية وتلبية متطلباتهم.
وتولي سورية قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة اهتماماً بالغاً حيث أصدرت القانون رقم 34 لعام 2004 المتعلق بالأشخاص ذوي الإعاقة، وصادقت على الاتفاقية الدولية للمعوقين في شباط/فبراير الماضي. كما أقرت العام الماضي الخطة الوطنية لرعاية وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة التي تهدف إلى الاستفادة من الطاقة الكامنة لهم في عملية التنمية المستدامة وتقوية العمل المؤسساتي المتعدد القطاعات في عملية تأهيلهم ودمجهم في المجتمع، والعمل على محاور عدة منها إصدار تقرير عن واقع الإعاقات والمعوقين، وإنشاء سجل وطني للإعاقة، وبناء القدرات في مجال الكشف المبكر، والمعالجة والتأهيل والإعلام والوقاية. إضافة إلى مواءمة المتجمع والقيام بحملات التوعية المجتمعية، وإقامة معاهد لتأهيل الإعاقات وتحفيز الدمج المجتمعي وتقديم التقنيات والبدائل الخاصة للأشخاص ذوي الإعاقة»...
نتالي الياس: تحضّر للمشاركة في أولمبياد لندن 2012
بكلمات مليئة بالأمل وبعبارات صادقة نابعة من تجارب خاصة،كان للبطلة نتالي الياس مواجهة خاصة مع الإعاقة، فقد ولدت مصابة بشلل الأطفال، لكنها حولت إعاقتها إلى نجاح متواصل. تحب الرياضة وحققت العديد من البطولات فيها، كما تجيد كتابة الشعر والرسم... عن أهم المشاركات العربية والدولية التي حققتها في رياضة رفع الأثقال كان حديث نتالي:
«عام 2003 حصلت على الميدالية الذهبية في البطولات العربية - الإفريقية في الأردن. وعام 2005 نلت الميدالية الفضية في البطولة العربية في مصر، والمركز الرابع في البطولة الآسيوية في ماليزيا عام 2006. وفي العام التالي نلت أيضاً الفضية في الدورة العربية بمصر. ولكن أبرز مشاركاتي كانت في أولمبياد بكين عام 2008 وأحرزت المركز السادس. وفي العام الماضي حصلت على الميدالية الذهبية في بطولة آسيا بماليزيا.
أما طموحي فهو أن أشارك في أولمبياد لندن 2012، وأتمنى أن أوفق في هذه البطولة العالمية لأرفع علم بلادي عالياً».
وعن تغلبها على إعاقتها، قالت: «بعزيمتي وبتشجيع من أهلي أحببت أن أكون شيئاً نافعاً في المجتمع، فلا يوجد شيء سهل في هذه الدنيا، لذلك قررت دخول مجال الرياضة.
وكان للمجتمع من حولي دور كبير في تشجيعي فلم ينظر إلي أحد نظرة شفقة، بل الكل ساندني ووقف بجانبي، وكان لأمي وأبي الدور الأكبر في عودتي إلى الحياة. فاخترت الرياضة وتحديداً القوة البدنية أو ما يسمى رفع الأثقال. وبفضل مساعدة الأهل وإدارة النادي تفوقت في الرياضة بعد أن كان هذا الشيء من المستحيلات».
وختمت قولها بتوجيه نصيحة للمعاقين: «أوجه رسالة لكل معاق بأن يتحلى بالصبر وألا يفقد الأمل وأن يخرج كل ما لديه من مواهب وطاقات، وألا يخجل من كلمة معاق لأن ما لديه من إبداعات قد يفتقده الكثيرون».
ليس عيباً أن تكون معاقاً لكن العيب أن تستسلم لإعاقتك، فكم من معاق قدم ما لم يقدمه الصحيح. ولعل النماذج المشرقة في عالم الإعاقة كثيرة، لكن دعونا نعيش في هذا اليوم مع معاقين قدموا لمجتمعهم ما لم يتمكن الإنسان العادي من تقديمه سواء على الصعيد الأدبي، أو الإعلامي، أو الرياضي، واستحقوا كل تقدير واحترام من مجتمعهم وذويهم. وهنا نتوقف باحترام وتقدير مع معاقين ثلاثة أرادوا أن يكونوا كما أقرانهم الأصحاء وكان لهم ذلك حتى أنهم تفوقوا على بعضهم.
مصطفى درغام صحافي على ثلاث عجلات
كبرياؤهم تعانق الزمان والمكان وإرادتهم أصلب من قضبان محنتهم. ابتلاهم الله تعلى في دنياهم ليعوضهم خيراً في آخرتهم. يرفضون نظرات الشفقة ويمضون في طريقهم يدوسون على الأشواك ويصنعون من أوضاعهم الصعبة معجزات للأسوياء ونبراساً يحتذى. ويعبدّون الدروب مسلحين بقوى كامنة زرعها الخالق العظيم، تستنفر وقت الحاجة لتعيد التكيف مع الأوضاع المستجدة ورفض الواقع.
الصحافي مصطفى درغام حسين واحد من هؤلاء الواقفين على قمة الكبرياء. لم يستسلم لإعاقته التي حرمته قدميه اذ تعرض منذ الولادة لنقص أكسجة وهي حالة إلى حد ما نادرة وأدت الى شلل الجهة اليمنى من يد ورجل. وقد أجريت له عمليات عدة لتحسين وضعه. والمأسوي في الموضوع أنه تعرض لحادث سير أدى إلى كسور في القدمين واليد، لكنه لم ييأس بل ازداد إصراراً وعزيمة للتغلب على تلك الإعاقة المستديمة.
كان مصطفى متفوقاً في دراسته ودرس في المعهد التجاري ومن خلال دراسته كانت له إسهامات أدبية، فقد كلف بإعداد نشرة ثقافية رياضية منوعة ورأس تحريرها آنذاك.
عن دخوله عالم الصحافة كمحترف، قال: تقدمت الى مسابقة أجرتها وزارة الإعلام ونجحت بتفوق وبدرجة عالية، فتم تعييني في إحدى الصحف المحلية، وما زلت حتى الآن أعمل دون كلل أو ملل وتربطني علاقة قوية وطيبة مع كل الزملاء».
وقدم مصطفى نصيحة لكل المعاقين بأن يتحلوا بالصبر والإيمان بالله والثقة بالنفس، وأن يضع المعاق هدفاً أمامه ولابد من أن يصل.