أول أم مصريّة تقرّر أنها رجل!
أنثى, طلاق, سلمى المصري, د. نصر فريد واصل, مفتي مصر, أم مصرية, د. أشرف عنب, الهرمونات الذكرية
23 يناير 2012رغم أنها تسعى إلى إجراء جراحة للتحول إلى رجل مثل من سبقنها إلى هذا العالم، فإن المثير الذي اختلفت فيه منال عن الجميع، أنها أمٌّ لطفل، ورغم أنها تزوجت مرتين، ما زالت تصر على أنها رجل. حكايتها شهدتها إحدى محافظات صعيد مصر، المعروف بعاداته وتقاليده الصارمة، ما جعل منال تواجه مشاكل عديدة مع أسرتها وجيرانها، وعالمها الذي تعيشه، ورغم ذلك قررت أن تتحدى الجميع، فتركت أسرتها وسافرت الى القاهرة لتعمل في مقهى وهي تصر على أن يناديها الناس باسم محمود.
لم تشعر يوماً بأنها أنثى، رغم كل ظروفها منذ نشأتها في إحدى محافظات صعيد مصر، فكانت ترفض أن تشارك صديقاتها ألعابهن، وتتجه إلى ساحات كرة القدم لتقف من بعيد تشاهد ما يحدث، وتتمنى أن تشارك الأولاد في لعبهم.
لم تلبث منال أن بدأت في مشاركة أطفال المنطقة التي تعيشها لعب كرة القدم، وسط اعتراض شديد من والدتها التي أكدت لها أن الفتيات يجب ألا يلعبن مع الفتية، وعليها أن تمارس الألعاب التي تناسب جنسها.
تعرضت منال في طفولتها لعقوبات شديدة من والديها بسبب عدم التزامها تعليماتهما، واستمرارها في اللعب مع الذكور. كانت تعشق الألعاب العنيفة مثل الكاراتيه، بل إنها كانت أقوى طفلة في الحي الشعبي الذي تسكنه.
اندهشت الأم حينما شاهدت ابنتها تتملص من كل الصفات الأنثوية التي تتمتع بها مثيلاتها، لكن الأم والأب اعتادا التصرف بشكل خاطئ مع ابنتهما، فعاقباها بدلاً من دراسة ما يحدث من تغيرات نفسية عاشتها منال التي كانت تشعر أنه لا يوجد من يفهمها.
وحين بدأت الطفلة المتمردة تكبر، بدأت تؤكد لأمها أنها لا تشعر بأنوثتها رغم تكويناتها الجسدية. وأصاب الأم الذهول حين أخبرتها ابنتها أنها تشعر بأنها ذكر، وضربت ابنتها بقسوة لتزداد مشاكل منال التي لم تتراجع عن أحاسيسها.
ربما كانت حكاية منال درساً لكل أسرة تعاني من وجود حالة الشابة الصعيدية نفسها، التي ساهمت أسرتها في تعقيد مشكلتها عندما لم تفكر في عرضها على طبيب، وتحولت قصة منال إلى قضية مثيرة لا تزال حتى الآن حديث مدينتها كلها.
اسمي محمود
تقول منال أو محمود: «مشكلتي أن أسرتي لم تفهمني، ولم يقتنع والدي بصحة كلامي، وعاقبني بشدة معتقداً أنني مذنبة، رغم أن ما يحدث لي من تطورات فسيولوجية لا ذنب لي فيه، لأن الله خلقني وبداخلي مشاعر الرجولة، وانحياز تام إلى جنس الرجال، حتى أنني كنت أكره مصادقة الفتيات، ولا أشعر نحو الرجال بأي عاطفة».
تكمل منال قائلة: «ازدادت مشاكلي عندما أجبرني والدي على الزواج، ووجدت نفسي أحمل في أحشائي طفلاً وأصبحت أمًّا رغماً عني. حاولت أن أستسلم للأمر الواقع، وأعيش حياة النساء، لكنني لم أستطع، وأدركت أن الموت أفضل من ذلك».
تواصل منال، أو محمود وهو الاسم الذي تفضل أن يناديها به الناس: «كنت أحلم أن أخضع لجراحة لتغيير جنسي لأصبح رجلاً وأعيش حياة الرجال وأعيش قصة حب وأتزوج، لكن الواقع تحدى أمنياتي، وحينما تركت زوجي الثاني ذهبت إلى أحد المستشفيات لأجري فحوصا للتأكد من حقيقة ما أشعر به.
وجاءت نتيجة التحليلات لتؤكد أن الهرمونات الذكورية بداخلي تتفوق كثيراً على الهرمونات الأنثوية، وأدركت أن أفكاري لم تخنِّي، وبدأت أبحث عن وسيلة تحقق لي أحلامي، والتحقت بالعمل في أحد المقاهي. قصصت شعري وبدأت أدخن السجائر بشكل واضح، وكان صاحب المقهى الذي أعمل به يعرف قصتي واقتنع بصحة موقفي، وأكد لي أنني ضحية ظروفي، طلبت منه مساعدتي فوافق، ووفر غرفة لإقامتي، وبدأت أتعامل مع الزبائن الذين كانوا ينادونني باسم محمود، وكنت سعيدة جدا بهذا، لكن بعضهم كان يدقق النظر إلى ملامحي، ويسألني: أنت ذكر أم أنثى؟
وكنت أرد عليهم بخشونة وأؤكد أن اسمي محمود، ولكنني أعلم أن المعركة مع المجتمع لن تكون سهلة، خصوصا بعد أن أُجري جراحة تغيير النوع، والمشكلة الكبرى أن أسرتي تبحث عني في كل مكان، رغم أنني أرسلت إلى أمي رسالة تطالبها بعدم البحث، لأنني لن أعود منال التي يعرفونها، وهذا ما ترفضه أمي وكذلك أبي».
تضيف: «المشكلة هي ابني الذي لم يتجاوز عامه الثاني، ولا أعرف مصيره حتى الآن، فهو يعيش مع أسرة زوجي السابق، ولم أجرؤ على السؤال عنه، هذا الطفل الذي سيعيش مظلوماً لأنه سيظل بدون أمّ، ولكنني بالفعل لا أمتلك مشاعر الأمومة حتى أقدمها له».
وفي نهاية حديثها تعتذر منال، أو محمود، لزوجيها لأنها ظلمتهما كثيراً، وتقول: «الأمر ليس بيدي وسأظل أقاتل حتى أوفر نفقات الجراحة، وأتحول إلى محمود بشكل قاطع».
الطب: زواجها وإنجابها دليلان على أنوثتها ومشكلتها نفسية
في البداية يوضح أستاذ جراحة التجميل الدكتور أشرف عنب أن التحول الجنسي غالباً ما يتم قبل البلوغ، حين تكون المعالم الجنسية للصبي أو الفتاة غير واضحة، ويملك (أو تملك) أعضاء الجنس الآخر. ولكن في حالة هذه السيدة التي تريد التحول بعد الزواج والإنجاب، فإن تحولها ليس لعلة عضوية وإنما لسبب نفسي، والقانون المصري يرفض التحول لأسباب نفسية ولا يسمح باستخراج اوراق رسمية بالجنس الجديد، ويلزم المتحول جنسياً بتقديم شهادات طبية وأوراق من الأزهر الشريف.
ويضيف: «كون هذه المرأة تزوجت وأنجبت يعني أنها مكتملة المعالم والأعضاء الأنثوية وأن رغبتها في التحول سببها نفسي فقط. وبغض النظر عن الوضع القانوني في مصر فإن الدول الأوربية تسمح بالتحول الجنسي للبالغين لأسباب نفسية كما في هذه الحالة، وهنا يمكنها أن تتحول ويجرى لها جراحة لتحويل الأعضاء الأنثوية إلى ذكورية، وتركيب جهاز تناسلي ذكري، فتكون رجلاً كاملاً يمكنه الزواج وإقامة علاقة حميمة كاملة، لكن بلا شعور وبلا إنجاب».
ويشير عنب إلى أن التحول الجنسي بعد البلوغ والزواج ليس مرفوضاً من القانون فقط، وإنما من المجمتع الشرقي أيضاً.
أما استشاري طب النساء الدكتور زكي ندا فيقول: «تجربة تحول منال مستحيلة لأسباب عديدة، منها أنها أنجبت، مما يؤكد وجود مبايض لديها تعمل بكفاءة، ولهذا لا يمكن تحويل أعضائها التناسلية الأنثوية إلى ذكرية، وإن كان العكس أكثر سهولة، فمن الممكن أن يتحول ذكر إلى أنثى بتركيب جهاز تناسلي أنثوي صناعي، بشرط وجود مقومات وهرمونات أنثوية داخل هذا الشخص، وإن كانت الجراحة لها محاذير وعواقب».
ويضيف: «ما تعانيه منال هو تكيّس في المبايض يتسبب بزيادة الهرمونات الذكرية، وإحساس نفسي لديها بأنها تميل إلى جانب الذكور. وهذا المرض علاجه ممكن، وأنصحها بأن تذهب إلى طبيب نفسي لتخضع للعلاج الذي يمكن أن تستجيب له وتعود نفسياً أنثى مكتملة الأنوثة، وتنسى إحساسها بالذكورة».
مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد: القرار للأطباء لأنهم أهل الاختصاص الشيخ هاشم إسلام: تزوجت وأنجبت فأي تحول تريده؟!
أكد الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، أن ما فعلته هذه السيدة حرام شرعاً، لأنه يعتبر تدخلاً في شؤون الخالق الذي انفرد بالخلق والتصوير، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يحول نفسه من ذكر إلى أنثى أو من أنثى إلى ذكر، دون حاجة حقيقية يؤكدها الأطباء باعتبارهم أهل الاختصاص، الذين أمرنا الله بسؤالهم إذا حدثت مشكلة في هرمونات الذكورة أو الأنوثة، قال تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (آية 43 سورة النحل).
وأوضح أن اعتراض الإنسان على ما خلقه الله عليه من الأنوثة أو الذكورة جريمة كبرى، لقوله تعالى: «لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ» الآيتان: 49-50 سورة الشورى.
وطالب بعقوبة تعزيرية على تلك المرأة المتمردة على أنوثتها، بدليل أنها أنجبت، وهذه العقوبة يجب أن تتماشى مع محاولة إعادتها إلى صوابها بالتوعية الدينية لخطورة ما فعلته، وفي الوقت نفسه ينبغي إخضاعها لعلاج نفسي من عقدتها أنها أنثى.
ونفى الشيخ هاشم إسلام، عضو لجنة الفتوى في الأزهر، أن تكون «تلك السيدة من الحالات التي قد يختلط أمرها من كونها ذكراً أو أنثى ويجب تعديله، وإنما هي مريضة نفسياً يجب معالجتها واستمرارها كأنثى محافظة على ابنها، لأن حقيقة الجنس تتضح بشكل كبير عند البلوغ، وهي تزوجت وأنجبت، وبالتالي ليست في حاجة إلى تدخل الأطباء بعملية جراحية، وأي طبيب يجري هذه العملية التحويلية لها آثم شرعاً، ومغير لخلق الله ومتبع لخطوات الشيطان. وقد حذرنا الله تعالى من ذلك بقوله: «إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً * لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً * ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فَلَيُبَتِّكُنَّ آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً * يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً * أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصاً» سورة النساء الآيات 117-121».
ووجه الشيخ هاشم إسلام نصيحة لتلك السيدة بأن «تتقي الله تعالى في نفسها وطفلها، وترضى بما قسم لها، وبما خلقها عليه من أنوثة. وندعو الله تعالى أن يصرف عنها ما ابتلاها به، ولا تترك شياطين الإنس والجن يلعبون بها، لأن ما تفكر فيه سيكون مدخلاً للرذيلة، سواء مع بنات جنسها إذا توهمت نفسها رجلاً، أو مع الرجال إذا لم تقتنع أنها أنثى حقيقية، وننصحها بالعلاج النفسي حتى يكون شعورها طبيعياً».
الخوف من الفضيحة
حينما بلغت منال التاسعة عشرة، فوجئت بوالدتها تخبرها أن أحد الشباب تقدم لخطبتها، وقبل أن تعلن منال رأيها أكد لها والدها أنه وافق، ولا مجال للتفكير، أو مناقشة هذا الأمر، أسقط في يد الفتاة، ظلت مذهولة ساعات عدة وهي لا تعرف ماذا تفعل، أسرتها لم تفهم مشكلتها لأنها بالفعل تشعر بأنها ذكر، رغم أن مقوماتها الجسدية تؤكد عكس ذلك، ولهذا عاشت منال حالة من الفصام الشديد في شخصيتها بين أحلامها وواقعها المرير.
حاولت أن تطلب من أمها تأجيل الزواج بعض الوقت، لكن الأب اتخذ قراراً ألزم به الجميع، فحدد موعداً للزفاف، وسرعان ما وجدت منال نفسها عروساً. كانت تشعر بأنه حلم، لم تعرف كيف تصارح عريسها بما يجيش في صدرها، لكنها كانت تخشى رد فعله، وغضب والدها، والفضيحة.
واستسلمت للأمر الواقع، واضطرت لأن تمثل دور الأنثى، رغم أنها لا تفهمه ولا تحس به. ولم تمض شهور حتى كان في انتظارها مفاجأة عندما اكتشفت أنها حامل، وكان من المفترض أن تدرك الأمر الواقع، وأنها تحولت إلى زوجة، ولكنها ظلت رافضة لهذا الأمر وبكت بحرقة، بل حاولت التخلص من الحمل، لكن الظروف عاندتها.
أنجبت منال وهي لا تشعر بأنوثتها، ولا بعاطفة الأمومة نحو مولودها الذي أهملته بشدة، وازدادت المشاكل بينها وبين زوجها الذي بدأ يشعر بأنه تسرع بزواجه منها، فأدرك أنها بلا مشاعر وغير مكتملة الأنوثة.
لم يمض عامان على زواجها حتى حصلت على الطلاق، فتنفست الصعداء، وشعرت بأنها استردت نفسها. لكن والدها لم يمنحها هذه الفرصة، وأكد لها أن جارها معجب بها وتقدم لخطبتها. توسلت إليه أن يرحمها، وطلبت منه عدم الموافقة على هذا الزواج، لكن الأب حدد موعد الزفاف. وأدركت منال أن مأساتها لم تنته، ففاتحت والدها بجرأة بأنها لا تشعر بأنوثتها، وطلبت منه مساعدتها في إجراء جراحة لتتحول إلى ذكر.
لم يصدق الأب نفسه، وواجه كلام ابنته بقسوة، فاتهمها بالجنون، وأكد لها أن هذا الأمر غير مقبول، ورفض مبدأ الذهاب إلى الطبيب، فهي أصبحت أمًّا لطفل، ولا يليق بها هذا التصرف... شعرت منال بأنها تموت كل يوم، فهي سجينة في جسد امرأة رغم أنها متأكدة من أنها ذكر، وكل هرمونات الذكورة داخلها تتفوق على مثيلاتها الأنثوية، لكن الأمر الواقع لا يعترف بهذا، فالأوراق الرسمية تؤكد أن منال أنثى، وأمٌّ لطفل.
وأصبحت منال زوجة للمرة الثانية، كادت تنتحر مرات عدة لتتخلص من واقعها المؤلم، لكن زوجها تمكن من إنقاذ حياتها دون أن يفهم ما يحدث. وبعد اشهر من زواجها طلبت منه الطلاق، فحاول أن يثنيها عن قرارها لكنها أصرت، وقصت عليه حكايتها، فتعاطف معها زوجها ووافق على ان يطلقها سراً دون علم أسرتها.
قررت منال الهرب إلى القاهرة حتى تبتعد عن أسرتها وتعيش بحرية، فبدأت تبحث عن عمل يساعدها في الإنفاق على نفسها. قصت شعرها وارتدت ملابس الرجال وبدأت تتكيف مع الواقع الجديد... قررت أن تقدم نفسها كرجل وأطلقت على نفسها اسم محمود.