غلَطة في تركيا الأوروبية...

تركيا, زيت الزيتون, حمام تركي, الفن العثماني, القصور, إسطنبول, الإمبراطورية البيزنطية, منتجعات, مسلسل

10 يوليو 2014

 هي أحدى أقدم مناطق اسطنبول الأوروبية التي أمست أخيراً مقصداً لمثقفي العالم
بموقعها بين البوسفور و«القرن الذهبي»، تمكن غلَطة زوارها من التماهي بين ماضي اسطنبول وحاضره
هذه المنطقة هي معقل المثقفين

وإن كنت من مروجي موضة الماضي Vintage فغلَطة هي المكان. شوارعها الضيقة ومتاجرها الميكروسكوبية تكتنز الكثير من لوازم المظهر غير التقليدي الذي لن تجديه في أي مكان آخر، فمصممو الأزياء الأتراك بدأوا يركزون انتقالهم إلى هذه المنطقة. 
هي شهيرة بمقاهيها وتعتبر مركزاً للفرح والمتعة. والبرج الذي يحمل اسمها بني كمنارة خشبية على أيدي البيزنطينيين عام 507. وهو أحد أقدم الأبراج في العالم.
في القرن الرابع عشر وفي العهد الجنوي تحوّل البرج الخشبي إلى برج حجري واتخذ اسم برج المسيح.
وحين فتحت اسطنبول من قبل السلطان محمد الثاني في القرن الخامس عشر استخدم العثمانيون البرج كديماس (سجن تحت الأرض).
وتضرر المبنى كثيراً في القرن التاسع عشر حين نشب فيه حريق وأعيد ترميمه في عهد السلطان محمود الثاني واستخدم كبرج مراقبة.

(هنا في اسطنبول تبقى الأشياء وتتبدل برؤية وهوية من مروا عليها، ككنيسة سان باولو في غلطة التي باتت جامع العرب لاحقاً).
تم ترميم برج غلطة نهائياً عام 1967 وبات اليوم رمزاً جذاباً خصوصاً أنه يحوي جلسات تقدم للزوار رؤية بانورامية واسعة لاسطنبول.

لكي لا ننسى الحمام التركي
مذ دخولي غرفتي في فندق الريتز كارلتون في اسطنبول، وجدت على السرير علبة حمراء طبع عليها هلال ونجمة وهذا الثنائي يعني «غوناي» بالتركية، أحد أكثر الأسماء التركية شيوعاً وهو اسم الشاب الذي رافقني وزميلاتي في رحلتنا التركية.
«غوناي»، أي قمر ونجمة في آن واحد. والعلبة كانت عبارة عن عدة الحمام التركي، قطعة قماش وصابونة مصنوعة من زيت الزيتون ومرصّعة بعين «تبعد الحسد».
ما قصة هذا الحمام الذي تاه في زحمة دلال المنتجعات ومراكز التجميل ؟ هو إرث حضارات الأناضول، الحمام ليس عملية غسل فقط بل مكان استجمام والتخلص من الضغوط.
يعتبر حمام آغا الأقدم في اسطنبول (1454) وهو موجود في شارع بيوغلو، ويقدم للمرأة خدمات تقشير الجسم والتدليك.


أين عاش الخليفة الأخير؟ 
عرف عن الخليفة عبد المجيد أفندي حبه للفن. عاش في جناح مجيد أفندي الذي عرف كمركز فني حتى نفيه عام 1924.
هو مركب جوهري لإرث اسطنبول الثقافي. يقع في أسكودار على الضفة الشرقية للبوسفور على مساحة خضراء تقارب 200 ألف متر مربع.
جناح مجيد أفندي بدأت قصته مع الخديوي اسماعيل باشا، حفيد محمد علي باشا ابن ابراهيم باشا ومعارض خلال الحكم العثماني قبل التعديلات الدستورية.
بني الجناح كمأوى في موسم الصيد وهو تحفة تجمع الطرازين العثماني والمصري.
عام 1895، وإثر موت الخديوي اسماعيل باشا والذي كان الحاكم الأول يطلق عليه لقب خديوي، ورث أولاده هذه الجناح. 
اشترى السلطان عبد الحميد الثاني هذا الجناح في ما بعد. عبد المجيد أفندي المعروف كسلطان عثماني لم يكن حاكماً قوياً أو نافذاً.
ولد عام 1868 وتربى على الفن حين خلع والده السلطان عبد العزيز عن العرش.
تعلم الرسم واللغات وكان والد زوج صبيحة، من طلب يدها أتاتورك يوماً حسب بعض المؤرخين الأتراك.
هو الوريث الأخير الذي عرفته السلطنة العثمانية. سمي خليفة عام 1922 بعد تأسيس المجلس الوطني
 استخدم هذه الملكية للرسم الذي استوحى بعض لوحاته من الفن المصري. وحين قضي على الخلافة نفي إلى باريس حيث توفي بعدما عاش في المنفى عشرين عاماً.
وبقي المبنى القصر المؤلف من طبقتين مزركشتين بالألوان الهندسية، وهو يستقبل اليوم معارض فنية وثقافية بعد أن اشتراه مصرف تركي.
وقد أقام هذا الأخير الاحتفال الستين لتأسيسه بعرض 35 لوحة زيتية و25 رسماً للخليفة العثماني الأخير عبد المجيد أفندي.   

السوق العتيقتوابل ونراجيل وفناجين وعيون زرقاء درءًا للحسد
هو القديم الرائج الذي يجذبنا بثراء تفاصيله ويحملنا على بساط الحلم عبر قرون مضت بين عتمة الزوايا التاريخية. تلك الاشياء اليدوية، الأكواب والفوانيس وفناجين القهوة والأساور الغريبة بزخرفتها والنراجيل الملونة بشكل رائع، كل زاوية تنادي بسحر الإرث الذي يغلب رواج الحاضر والإبتكار.
يضيع البصر بين قناطر سوق «البازار الكبير» (أكثر من 4000 متجر) على مسافة دقائق معدودة من فندق الريتز كارلتون التي نزلت فيه ليلتين.

بامكانك دخول السوق من بوابات عدّة، اختاري بوابة Beyazit أو Nuruosmaniye. هناك ستجدين العديد من الخانات التي تحولت إلى متاجر صغيرة لبيع التذكارات أو الجلود والخزف كخان آغا الذي بني في القرن الثامن عشر.
لا بد أن تزوري تلك الخانات التي تشكل جزءًا من حكاية اسطنبول، تلك المباني التي كان يقيم فيها المسافرون والتجار.

ولا تنسي أن تزوري سوق التوابل لجلب حلوى اللوكوم (النكهات ستقود خطوتك صوب الإتجاه الصحيح.
دخول متجر Malatya Pazari فكرة جيّدة). ففكرة ابتياعها من المطار رديئة جداً بقدر طعم اللوكوم المعلّب.

تذوقي ثم اشتري حتى المجوهرات. لامسي تلك الحياكة الذهبية للأطواق العريضة والعريقة من منطقة ترابزون حيث ينضفر الذهب كما جدلات النساء كما بضاعة طريق الحرير في ما مضى.

تقيدي بقوانين جديدة في التسوق هنا حيث يختلف أسلوب البيع الذي اعتدت عليه في المراكز التجارية الكبيرة. جادلي في الأسعار، لغة التصافق في هذه الأسواق العتيقة لها لذة خاصة، فأنت الرابحة في كل الأحوال. 


 تلّة العرائسأمنية لا بد أن تتحقّق
عبور البوسفور هو الحل الأمثل لبلوغ تلة العرائس في القسم الآسيوي من اسطنبول. في الطريق المائي حكايا ترويها القصور العثمانية على الضفاف، قصور تاريخية «لا تضاهي» الفوضى التي نشبت بين صفوف السياح حين همس قبطان العبّارة: «هذا قصر نور ومهند الذي صوّرت فيه مشاهد المسلسل التركي».

وقد ساد في تلك اللحظات قلق من فقدان العبارة توازنها حين تزاحم السياح عند الجهة التي ظهر منها قصر الظاهرة الدرامية الرومانسية في العالم العربي.

وصلنا إلى تلة العرائس حيث يتبارك المتزوجون حديثاً أو المقدمون على خطوة الإرتباط. قبّلت وحضنت كل العرائس متوسلة رجلاً حقيقياً.

وفي طريق العودة تتكرر المشاهد هنا قصر وهناك جسر، الجسر المعلق الذي يصل تركيا الأوروبية بالآسيوية.