الانسداد الرئوي المزمن...مرض شائع يبدأ بسيجارة وينتهي بمأساة

الانسداد الرئوي,الانسداد الرئوي المزمن,مرض,سيجارة,مأساة,السرطان,الربو,الوفاة,الحالات المتقدمة

كارين اليان ضاهر (اسطنبول) 16 مايو 2015

تصيب الأمراض الصدرية الملايين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيما يمكن اتخاذ إجراءات عدة للسيطرة على مضاعفاتها والحد من معاناة المرضى شرط التعامل مع هذه الأمراض بالشكل الصحيح والمناسب، وأهمها الربو والانسداد الرئوي المزمن والتليف الرئوي المجهول السبب.
بهدف تسليط الضوء على هذه الأمراض وعلى احتياجات المرضى التي لم تُلبّ حتى الآن، نظمت شركة الأدوية «بوهرنجر إنجلهايم» منتدى إقليمياً جمعت فيه خبراء الأمراض التنفسية في اسطنبول، حيث جرى التأكيد على أهمية التشخيص الدقيق والمعالجة الفاعلة لأمراض حساسية الصدر والانسداد الرئوي المزمن والتليف الرئوي بهدف السيطرة على معدلات الإصابة المتزايدة في المنطقة.


الانسداد الرئوي المزمن... مرض شائع يجهله كثر
يعتبر الانسداد الرئوي المزمن من الأمراض الصدرية الشائعة التي تقود المريض إلى حياة بائسة نظراً لتأثيرها في نمط الحياة، وفق أستاذ الأمراض الصدرية والعناية الحرجة ورئيس وحدة ارتفاع ضغط الدم الرئوي في كلية الطب في جامعة القاهرة في مصر د.مدحت عبدالخالق.
واللافت وفق قوله، أنه في حالات كثيرة من المرض تصادف حالات يكون قد تم تشخيصه فيها سابقاً من طريق الخطأ على أنها ربو، مما يؤدي إلى وصف علاج غير مناسب ونتائج دون المستوى المطلوب للمريض.
وتكمن المشكلة الأساسية في الجهل المحيط به حيث إن كثراً يجهلون كل شيء عنه. من هنا أهمية التوعية على نطاق واسع ليصبح الناس أكثر معرفة به.
أما بداية المرض فتكون بـ «تجربة» سيجارة تنتهي إلى مأساة يصبح فيها المريض بمثابة العاجز عن التنفس وتصير حياته مهددة، إلى أن يصبح التدخل للحد من معاناته في الحالات المتقدمة غير ذي فائدة.
فالتدخين هو السبب الرئيسي للمرض ويصل احتمال الإصابة بين المدخنين إلى 80 أو 90 في المئة. ولأنه السبب الأول، يمكن العمل على الوقاية والمعالجة على هذا الأساس. لكن المشكلة زادت سوءاً في السنوات الأخيرة فصار معدل الإصابة لدى النساء كما هو لدى الرجال، خصوصاً مع انتشار تدخين النرجيلة.
وثمة عوامل أخرى، كالتلوث، قد تلعب دوراً في الإصابة، بجانب استخدام الفحم والخشب للطهو أو التدفئة والتعرض لملوثات نتيجة ظروف العمل. كذلك يلعب العامل الوراثي دوراً في الإصابة بالمرض، إضافة إلى العوامل المحيطة.
ويضيف د. عبدالخالق: «الانسداد الرئوي المزمن هو مرض قاتل يحصل فيه التهاب مزمن في الشعب الهوائية، وتتفاقم هذه المشكلة تدريجاً، حيث يتعرض المريض بعدها إلى نوبات من فترة إلى أخرى. وتكون كل سنة في حياة المريض أسوأ من تلك التي سبقتها، وقد تظهر مشكلات أخرى مرافقة كأمراض القلب والكوليسترول والسكري، وكلها تؤخذ في الاعتبار في تحديد الحالة.
وكثيراً ما يحتاج المريض إلى بذل مجهود كبير للقيام بأبسط الانشطة، وهذا ما يؤثر في نمط حياته بتفاصيلها، فيعجز عن ارتداء ملابسه والخروج من المنزل والقيام بنشاطاته المعتادة، ويضطر إلى التغيّب عن عمله، ويحتاج إلى من يهتم به، ثم تتراجع نوعية حياته بما فيها حياته الاجتماعية. ويعتبر التدخل المبكر أساسياً في مساعدة المريض حيث يكون التحسن مهماً والعلاج فاعلاً.
لكنّ المشكلة في أنه غالباً ما يتم التقليل من أهمية الانسداد الرئوي المزمن عند الإصابة به، خصوصاً أن المريض، المدخن خصوصاً، يجد دائماً تبريرات للأعراض التي تظهر عليه فيبسطها ولا يعطيها أهمية، ويتهرب من الاعتراف بمرضه، وبسبب ذلك يصل إلى مراحل متقدمة تزيد فيها صعوبة المرض عليه ويصبح معوّقاً عن التنفس.
ووفق الإحصاءات في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، فإن نسبة 49،5 في المئة من مرضى الانسداد الرئوي المزمن تبقى دون علاج، ونسبة 47،5 في المئة تتعرض لنوبات رئوية تحصل مع تفاقم الحالة وازدياد الأعراض سوءاً. ومن المتوقع أن يصبح المرض السبب الثالث للوفيات في العالم عام 2030 فيما يعتبر الآن السبب الرابع، مع ما يترتب عن ذلك من أعباء اقتصادية واجتماعية، خصوصاً نتيجة التأخر في التشخيص.
وتظهر الإحصاءات أن 28 في المئة من المرضى يضطرون إلى التغيّب عن العمل، فيما يعجز 48 في المئة منهم عن العمل تماماً. من هنا أهمية إجراء التشخيص السريري لدى المرضى الذين تجاوزوا سن الـ40 سنة في حال ظهور الأعراض. علماً أن ضيق التنفس يعتبر من السمات الأساسية للمرض ويظهر في المراحل الأولى عند قيام المريض بجهد إضافي، كصعود السلالم، ويزيد سوءاً مع الوقت.

الربو... تتفاقم الأعراض عند تجاهلها وقد تصل إلى الوفاة
من الواضح أنه غالباً ما يتم الاستهانة بحالات الربو ويجري التقليل من أهميتها. ومع سوء التشخيص وتأخره وإهمال الأعراض التي تظهر لدى المريض، تتفاقم الحالة وتتطلب دخول المستشفى والانقطاع عن العمل وصولاً إلى الوفاة.
وتعدّ التغيرات المناخية والبيئية، بالإضافة إلى ضعف السيطرة على المرض، من الأسباب الرئيسية المؤدية إلى زيادة انتشار الربو في المنطقة حيث يصل معدل الإصابة إلى 24 في المئة في المملكة العربية السعودية و7 أو 8 في المئة من البالغين في مصر و3،45 في المئة في الجزائر، وتصل نسبة انتشار الأعراض في الإمارات العربية المتحدة إلى 12،1 في المئة.
لهذه الأسباب، يشدد رئيس قسم الأمراض الصدرية في مستشفى عبدالرحمن مامي في تونس د.حبيب غديرة، على تحسين طرق التعامل مع الحاجات الملحّة لمريض الربو حتى لا تستمر الاعراض وتتفاقم، فيما تبرز الحاجة إلى علاج جديد لمساعدة المرضى على الوصول إلى نتائج فضلى، لأن نسبة 40 في المئة من المرضى الذين يتلقون العلاجات حالياً لا يزالون يعانون الأعراض.
وتظهر الأرقام أن السيطرة على أعراض الربو ليست مثلى في منطقة الخليج والشرق الأدنى مع زيادة معدلات المرضى في أقسام الطوارئ، حيث تصل النسبة إلى 28 في المئة في الإمارات، و58 في المئة في عمان، و21 في المئة في لبنان، و89 في المئة في الكويت، و63 في المئة في الأردن، وذلك نتيجة عوامل عديدة كالأخطاء في التشخيص، والعلاجات غير المناسبة، والتدخين، والتهاب الأنف، وأهمها: عدم الالتزام بالعلاج. ويشار إلى أن عوامل الخطر الأساسية للربو والانسداد الرئوي المزمن والتليف الرئوي المجهول السبب في المنطقة، هي التدخين، والتلوّث، وتنشّق الغازات السامة، والمواد الكيماوية والعواصف الرملية.
وفي حديثه عن الربو يقول د.غديرة «إن الربو هو التهاب مزمن في القصبات الهوائية يتفاقم في حال عدم معالجة الأعراض، حيث تقع النوبات وقد يصل الأمر إلى الوفاة».
ويتابع: «من أهم الأعراض التي يعانيها المريض السعال المتكرر، خصوصاً ليلاً، وصعوبة التنفس، والضيق في الصدر. فالصعوبة في التنفس غالباً ما يكون سببها الربو. أما السعال فيعتبر من أهم المؤشرات، لكنه قد لا يكون واضحاً أحياناً أنه ناتج عن الربو.
وفي ما يتعلق بالفارق ما بين أعراض الربو وتلك الناجمة عن الانسداد الرئوي المزمن، تتغير الأولى من يوم إلى يوم، أما في الانسداد فتتغير الأعراض من أسبوع إلى أسبوع وتتطور. ولا بد من التوضيح بأن مريض الربو يمكن أن يعيش حياة طبيعية من دون أعراض شرط أن يكون العلاج صحيحاً وتتم السيطرة على الأعراض والمرض».
ويحذّر د.غديرة المرضى من شراء الأدوية من دون استشارة الطبيب الذي يشخص الحالة وفق الأعراض والفحص. علماً أن المشكلات الاساسية في الربو أن الناس يربطون غالباً بينه وبين الحساسية فيرفضون المعالجة، مما يؤدي إلى التأخر في التشخيص والعلاج.
ويخبرنا أنه بعد عمر الـ40 سنة لا يمكن أن تكون الأعراض ناتجة من الحساسية بل من الربو، وترتبط بعوامل معينة كنوع العمل والتدخين. أما لدى الاطفال فيمكن أن تكون نوعاً من أنواع الحساسية، وهنا يكتسب العامل الجيني أهمية كبرى ويعتبر أساسياً.

التليف الرئوي المجهول السبب أكثر خطورة من السرطان... بعد التشخيص بـ5 سنوات 30 في المئة من المرضى يموتون
يمكن أن يصيب التليّف الرئوي المجهول السبب، الذي يعتبر من الأمراض النادرة، أي عضو في جسم الإنسان، ويشكل نسبة 30 في المئة من امراض الرئة. وكثر من المرضى الذين يتم تشخيص المرض لديهم لا يعلمون بإصابتهم.
ووفق طبيب الأمراض الصدرية ورئيس وحدة تليّف الرئة في جامعة ساوث هامبتون في المملكة المتحدة د.لوقا ريكيدلي، قد يعتبر تشخيص التليف الرئوي المجهول السبب مرضاً صعباً لأنه يتطلب خبرات في التشخيص كتصوير الرئة باستخدام أشعة مقطعية عالية الدقة.
ويضيف: «يراوح متوسط الوقت ما بين ظهور الأعراض الاولى والتشخيص بين سنة وسنتين. أما التشخيص المتأخر فيعتبر من التحديات الرئيسية، لأن مضاعفاته تقلل من فرص بقاء المريض على قيد الحياة، فأمل المريض الوحيد هو بالتشخيص المبكر لتجنب الوصول إلى الأعراض المتقدمة كالتليف في أعضاء عدة في الجسم والوصول إلى الوفاة.
وبمرور الوقت، تنخفض وظائف الرئة لدى المريض تدريجاً وتنعدم إمكانية العودة إلى الوضع الطبيعي. وقد يؤدي تفاقم المرض إلى تغيير مساره وتسارعه وصولاً إلى الوفاة خلال أشهر قليلة. وقد يحصل ذلك في أي مرحلة من مراحل المرض من دون سابق إنذار أو سبب معروف.
علماً أن هذا المرض يصيب فوق عمر الخمسين أو الستين سنة، ويزيد خطر الإصابة عند وجود حالات في العائلة، ويصيب الرجال أكثر من النساء مسبباً ندبات في الرئتين وصعوبة في التنفس، ويقلل معدل الأكسيجين الذي تزود به الرئتان الأعضاء الرئيسية في الجسم، ويعاني المريض سعالاً جافاً وانقطاعاً في التنفس أثناء القيام بأي مجهود، ويرافق ذلك ضيق في الصدر وتضخم في أطراف الأصابع.
وأهم عوامل الخطر هي التدخين والإصابات الرئوية وتاريخ الإصابة بالمرض في العائلة والارتجاع غير الطبيعي لحمض المعدة والتعرض للعوامل البيئية والإصابات الفيروسية المزمنة.
وقد تتشابه أعراضه مع أعراض الانسداد الرئوي المزمن، لكن ما قد يسهّل تشخيصه سماع الطبيب صوتاً معيناً هو صوت حشرجة أثناء الفحص عند تنفس المريض». ولأنه في التليّف الرئوي مجهول السبب نسبة 30 في المئة من المرضى الذين يتم تشخيصهم يموتون خلال 5 سنوات، يعدّه د.ريكيدلي أكثر خطورة من السرطان، والأخطر أنه تبين في الفترة الأخيرة ارتفاع في معدل الإصابة من دون أن يُعرف سبب ذلك.
فقد ظهرت في بريطانيا 5000 حالة جديدة في العام. والجديد أنه للمرة الأولى يتوافر علاجان ناجحان في تحسين الحالات ووقف تطور المرض. والخيارات العلاجية المتوافرة هي العقاقير، والعلاج التكميلي بالأكسيجين، وعلاج السعال، وإعادة التأهيل الرئوي... كلها تساعد على الحفاظ على نوعية حياة أفضل للمريض وإدارة المرض ومواكبته. وهنا تبرز أهمية التشخيص المبكر قبل الوصول إلى الأعراض المتقدمة، مما يسمح بوقف المرض في مرحلة مبكرة.
وفيما قد تتشابه أعراض أمراض التنفس الثلاثة هذه، يبقى سهلاً على الأطباء المتخصصين التمييز بينها. لكن الأهم هو وعي المريض ومعرفته لحالته ولجسمه، وملاحظة الأعراض لإيجاد الحلول والذهاب إلى الطبيب في الوقت المناسب.


معدّلات انتشار الانسداد الرئوي المزمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

  • في الإمارات العربية المتحدة: 1،9 في المئة
  • في المملكة العربية السعودية: 2،4 في المئة
  • في مصر: 3،5 في المئة
  • في لبنان: 5،3 في المئة
  • في المغرب: 2،2 في المئة
  • في تونس 3،7 في المئة